هل يركض الرجل المريض ؟

 عام 1980 قررت اسرائيل ضم الجزء الشرقى من مدينة القدس الى باقى الاراضى المحتلة  1967 ثم تلى ذلك ضم المدينة وإعلانها عاصمة لها بيد ان هذا القرار لم يلقى قبولا  آنذاك ولم يحظى بإعتراف الامم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية و أعتبروا ان القدس الشرقية هى جزء من الاراضى الفلسطينية المحتلة , وبعد عشر سنوات 1990 أصدر الكونغرس الأمريكي القرار(106 ) الذى يقضى بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس , وفى 8 نوفمبر 1995 صدر قانون نقل السفارة الذى وافق عليه مجلس الشيوخ ب93 صوت “مع”  مقابل 5 اصوات “ضد”   والذى أصطلح عليه ب (تشريع ضم القدس) والمؤلف من ثلاثة بنود الاول أن تبقى القدس موحدة غير مجزأة أي تكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس بشطريها وأكسابه شرعية  والثانى أن يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لـ إسرائيل ويدعم الاحتلال بالضم والتهويد والدفاع عنه , والثالث ان تلتزم الإدارة الامريكية بنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس واقامة مبنى السفارة فيها حتى عام 1999 او متى يحين الوقت لذلك  , ويكفل الكونغرس  للرئيس الأمريكى حق التوقيع على تأجيل اعتماد القرار لستة أشهر بداعى الحفاظ على الامن القومى الامريكى وهذا ما دأب عليه الرؤساء كلما حان موعد تطبيق القرار بدأ من “بيل كلينتون ” مرورا  ب “جورج بوش” الابن الذى وقع قرار فى 30 سبتمبر 2002  اقره مجلس الشيوخ بان القدس موحدة عاصمة اسرائيل , و”أوباما” الذى استمر على  نهج التأجيل وحتى الرئيس الحالى نفسه الذى قام بنفس الاجراء الروتينى فى يونيو الماضى حتى جاء الموعد المعتاد اواخر الاسبوع الماضى الذى استحال  فيما بعد الى “اليوم الموعود” ..وما كان من ترامب الا تأجيل اتخاذ قرار بشأن المسألة لثلاثة أيام , الامر الذى فجر الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام وسط ترقب مشوب بالقلق لاطراف و بالشغف لاطراف آخرى داخل دوائر صنع القرار الامريكى المنقسمة حول تنفيذ هذا القرار, الى ان حانت اللحظة  الحاسمة بالأمس الموافق الاربعاء 6 ديسمبر 2017 لتعلن ادارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل , ولم لا  و كل الظروف مواتية اليوم لاتخاذ هكذا قرار اكثر من اى وقت مضى , فنحن امام إدارة مندفعة  حد التهور  لم تتوانى منذ اليوم الاول عن اتخاذ قرارات متسرعة دون دراسة وافية للعواقب حتى من الناحية القانونية والدستورية مثل قرار حظر دخول مواطنى بعض الدول ذات الاغلبية المسلمة , وأمام رئيس بات يخشى مصير الرئيس المعزول “ريتشارد نيكسون”   صاحب فضيحة “ووتر جيت” الشهيرة فى سبعينات القرن المنصرم ,  بعد توجيه القضاء الامريكى تهمة الكذب على المحققين الى “مايكل فلين” (مستشاره المستقيل لشؤون الأمن القومى) فى قضية الاتصالات مع روسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية مما ينذر بفضيحة مدوية قد تطيح بالرئيس الذى لم يكمل عامه الأول بعد و تحرمه من المكتب البيضاوى الى الابد خاصة  بعد ان أقتنص خصومه من الديموقراطيين الفرصة الذهبية  وأستثمروها بقوة داخل مجلسى الشيوخ والنواب , وعليه كان لابد من عملِ صادم له دوى يحدث ضجة تصرف الانظارعن هذه القضية ولو لفترة مؤقتة تكفى لالتقاط الانفاس والبحث عن مخرج من هذه الورطة وقد كان , هذا من جانب الفاعل أما من جانب المفعول به  فهل يوجد افضل من هذا التوقيت لتمرير القرار وادخاله حيز التنفيذ  فى ظل ما  يعترى الأمة  العربية من ضعف وتفكك و نزاعات  و حروب أهلية وازمات إقتصادية , فمن أزمة الخليج  الى حروب اهلية فى سوريا واليمن الى صراعات طائفية وداعش فى العراق الى إنسداد سياسى فى لبنان الي “مصالحة هشة وتقدم لم يتجاوز اكثر من خمس الى عشرة بالمئة بأتجاه انهاء الانقسام بين فتح وحماس ” وفقا لتصريحات محمود هباش قاضى قضاة فلسطين  الى توتر مغربى / جزائرى على خلفية أزمة الصحراء الغربية الى صراع سياسى محتدم وعنف مسلح وجماعات متطرفة فى ليبيا الى ارهاب يضرب مصر واوضاع اقتصادية صعبة  , والسؤال هنا على وقع هذه الحالة المتأزمة ما هو الموقف العربى المحتمل ردا على  هذا العدوان ؟ والى اى مدى يمكن ان يرتفع سقف التوقعات ؟ اقولها من الآن وكم اتمنى ان يخيب ظنى , ستعقد الجامعة العربية اجتماعا طارئا  وربما تدعو الى عقد قمة استثائية استنادا الى الملحق الخاص بدورية قمة القاهرة 2000 فى مادته الثالثة ,  ولن يخلوا الأمر من ملح القمة المعتاد فى مثل هذه المواقف الشجب والاستنكار والتنديد وستخلص الى جملة من القرارات التى ستبقى كسابقتها حبيسة الادراج غير قابلة للتطبيق و لن يلقى لها حكام العالم بالا ولن تغير من واقع الامر فى شيء  والى ذلك لا يسعنا الا ان نقول رفقا بالرجل المريض هو بالكاد يتحسس خطواته فكيف نطلب منه الركض ؟

محمد السلاك 

كاتب صحفى ليبى ومدير مكتب المختار العربى بالقاهرة 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر