السودان: هل تتمكن السلطة من احتواء الاحتجاجات هذه المرة؟

مع توالي الأنباء بشأن استمرار الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها السودان، ضد تدهور الأحوال المعيشية، والتي أودت حتى الآن وفقا لمصادر رسمية بحياة تسعة أشخاص، في حين قدرهم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني المعارض، باثنين وعشرين شخصا تتزايد التكهنات، بشأن مستقبل الحركة الاحتجاجية، التي يشهدها السودان حاليا، وما إذا كانت السلطة هناك قادرة على احتواء الاحتجاجات المتفاقمة هذه المرة.

وفي آخر الدلائل على استمرار تلك الاحتجاجات، نقلت صحيفة التغيير السودانية المعارضة للحكومة عن شهود عيان قولهم، إن الاحتجاجات امتدت ليل السبت 22 ديسمبر، إلى مدينة العبيد عاصمة ولاية شمال كردفان، وإن مئات المحتجين شاركوا في هذه الاحتجاجات.

ويطرح تواصل هذه الاحتجاجات وقوتها، أسئلة عن كيفية اختلافها عن احتجاجات سابقة شهدها السودان عبر تاريخه، وعن إمكانية أن يتمكن النظام السوداني من احتوائها، كما احتوى عدة احتجاجات سابقة، عبر حكم الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي يصل إلى ثلاثين عاما.

ويجمع كثير من المراقبين للشأن السوداني، على أن الطريقة التي تعاملت بها السلطات السودانية مع المحتجين، ربما لا تختلف كثيرا عن الطرق التي تعاملت بها سلطات عربية، مع موجات احتجاج شهدتها خلال السنوات الماضية، وهي طريقة ترتكز أساسا على الوسائل الأمنية.

ويمثل تدهور الأوضاع المعيشية، السبب الرئيسي لاندلاع هذه الاحتجاجات في السودان، إذ أقدمت الحكومة مؤخرا على زيادة أسعار الخبز، ليصل سعر الرغيف من جنيه واحد، إلى ثلاثة جنيهات هذا بجانب معاناة يشكو منها السودانيون منذ وقت طويل، من عدم توفر الوقود ودقيق الخبز، وكذلك عدم توفر السيولة النقدية، إذ تمتنع المصارف في السودان عن تمكين الناس من الحصول على “الكاش”، متعللة بأنها تعجز عن توفير السيولة النقدية، بسبب سحب المواطنين لمدخراتهم وتحويلها إلى دولار، وبحيث لم تعد هناك سوى عدة ماكينات آلية لصرف النقود، تعمل بصورة متقطعة في العاصمة، في حين لا تسمح المصارف للمواطنين بسحب أكثر من عشرة دولارات يوميا.

ويعتبر كثير من المراقبين أن موجة الاحتجاجات الحالية في السودان، ربما تكون مختلفة عن سابقتها، وأنها ربما تخرج عن سيطرة السلطات السودانية، التي تواصل استخدام أساليبها القديمة، في التعامل مع احتجاجات الناس، والتي تقتصر على المعالجة الأمنية، والحديث الدائم عن مؤامرة خارجية.

وكما يقول الاكاديمي السوداني الدكتور عبد الوهاب الأفندي فإن “ثورة السودان الحالية تختلف عن سابقاتها، بدءاً من انطلاقها من الأقاليم، بدل العاصمة الخرطوم” ويضيف الأفندي” بهذا الانتقال من الهامش إلى المركز، والسرعة الخاطفة من الانتشار، تكون هذه الثورة نقلة نوعية مقارنة بسابقاتها، فقد استغرق إسقاط نظام الفريق إبراهيم عبود أسبوعاً في عام 1964، بينما صمد نظام جعفر النميري 12 يوماً”.

وبجانب ما يقوله الدكتور عبد الوهاب الأفندي، فإن العديد من المراقبين يرون أن خروج المحتجين هذه المرة، يبدو مختلفا عن المرات السابقة، إذ أن الاحتجاجات كانت مفاجئة بالنسبة للسلطات السودانية، وبدا أنها احتجاجات عفوية لا تنتمي لأية أحزاب، وهو ما جعل عدة أحزاب تحجم عن تأييدها في البداية خشية من أن تورط نفسها سياسيا.

وبجانب عفوية تلك الاحتجاجات، يطرح المراقبون أيضا اختلافات أخرى ،وهم يرون أنه وحتى الكثير من المنتظمين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والحركة الإسلامية، بدوا في موقف الشامت تجاه الاحتجاجات وكأنهم يشعرون تجاهها بنوع من الرضى، ويقول هؤلاء إن المنتسبين للحركة الإسلامية، كانوا عادة ما يقفون في وجه الاحتجاجات، التي ترددت الدعوات لها ضد الرئيس عمر البشير منذ عام 2011 ، لكنهم الآن بدوا وكأنهم فقدوا الحماس لذلك في ظل تفاقم معاناة الناس وأخطاء النظام المتراكمة.

بجانب كل ذلك أظهرت عدة شرائط مصورة للاحتجاجات، كيف أن رجال الجيش، سعوا إلى أن يكونوا على الحياد، وأنهم قاموا بحماية المحتجين من اعتداءات رجال الأمن والشرطة، عندما بدأت الاحتجاجات في عطبرة، فيما يمثل اشارة بالنسبة لكثيرين على أن المؤسسة السياسية والعسكرية، على قدر ما فيها من مؤيدين للنظام، باتت تشعر بأن الناس معذورون بعد ما وصلت مستويات المعيشة إلى هذه الحالة من التردي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر