الصِّراعُ الليبيُّ : تغيير الواقع بالقوة إلى واقع عن إرادة

الصراع هو نتاج طبيعي لتضارب الأهداف البشرية (مصالح، اتجاهات، أيديولوجيات)، ومثل هذه الصراعات تجعل من خاسري الرهان أصفارًا على الشمال، بعد أن كانوا أصفارًا على اليمين

ومع أن الصفر يُعد رقمًا فإنه عندما يكون على الشمال لا يساوي شيئًا يُذكر؛ ومن هنا أصبح بعض الليبيين أصفارًا تُذكر، وبعضهم أصفارًا لا تُذكر؛ ما جعل الدولة الليبية سوقًا لصغار البائعين وكبار المشترين تحت شعار: بع قبل أن تخسر المعركة

وفي المقابل اتخذ الوطنيون خطوة للخلف؛ خوفًا من التاريخ الذي لا يقبل بيع الوطن، ولا يقبل أن يُصبح التغيير الذي كان مأمولًا تغييرًا بلا أمل؛ وعندما يُصبح التغيير المأمول غير المأمول فلا يليق التمسك به، وكذلك لا يليق الانتكاس والقبول بالعودة إلى الماضي، الذي صفحاته طويت

ومن هنا فالصراع الليبي لن ينتهي بما أن شعار بعض الليبيين: (بِعْ قبل أن تخسر المعركة)، وشعار بعضهم الآخر: خذ خطوة للخلف حتى يخسرون

ولأن التغيير المأمول أصبح بعيد المنال فلم لا يؤخذ بقاعدة: تغيير الواقع بالقوة إلى واقع عن إرادة

وأن نَعترف

  أن الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر قد حسم الصراع في الشرق، وأنه في نهاية حسمه في الجنوب المؤيد لدور الجيش الوطني؛ فالجيش أصبح يسيطر على أكثر من ثلثي جغرافية الدولة الليبية المحتوية على كل منابع النفط، وجل الموانئ المصدِّرة له، كما يُسيطر على منابع الحياة (المياه) وجبال الذهب والحديد، ورمال الكريستال؛ ولهذا لا داعي للمكابرة، وإنكار الأمر الواقع، فالجيش الوطني أصبح رقم واحد في معادلة المشهد الليبي، ولا حلَّ من دونه، والجيش لو لم يكن شعاره: (الوطن) لأعلن دولته الغنية (ذهبًا أسودًا وأصفرًا، ومياه وحديدًا….إلخ). وفي المقابل الافتراضي لو كانت هذه السيطرة بين أيدي المتأدلجين ما تأخروا ساعة عن إعلان دولتهم – دولة الخلافة العالمية

  أما القوة الثانية فهي: قوة مصراتة، المدينة التي سيطرت على معظم الأسلحة الثقيلة؛ ما جعلها القوة رقم واحد في المنطقة الغربية، ورجالاتها وإن اختلفوا لن يتخالفوا؛ وذلك لاستشعارهم الخطر في دائرة المتوقع وغير المتوقع، إنها المدينة التي اشترت حياة أهلها بقبول الموت؛ ولهذا لا زال الأمر بالنسبة إليهم على حاله؛ قبول الموت من أجل الحياة، ولذا فلا ينبغي غضُّ النظر عنها، ولا يمكن أن يُحلَّ المشكل الليبي من دونها، إنه الأمر الواقع الذي لا يتغير إلا عن إرادة

  أما القوة الثالثة فهي: القوة الموحدة في العاصمة طرابلس، إنها القوة التي تأهلت عتادا وعدة وخبرت ما لم تكن تخبره من قبل؛ ولأنه من يسيطر على العاصمة يسيطر على مقر القرار السياسي للدولة؛ إذن: هذه القوة ستجد نفسها مقدرة من قبل من يقبل العمل السياسي من قلب العاصمة سواء أكان مجلس رئاسة أم سفارات أجنبية، وهذا لا يدل على القبول بشرعيتها ولكنه يدل على قبول الأمر الواقع بالقوة الي حين تغييره في دائرة الممكن المتوقع أو غير المتوقع

 ومن هنا: لا داعي لتجاهل دور هذه القوى المتحدة حتى وإن كان شعارها: (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب). ومن ثم فلا ينبغي أن تغيب، بل من المهم الالتقاء  والحوار معها وتقدير دورها في حماية المدنيين في العاصمة، وهذه القوى بما أنها تسيطر على العاصمة لا تعد صفرا على الشمال أبدا. بل الذي يعد صفرا ذلك الذي يسيطر على الدواخل والضواحي والفيافي حتى وإن اعتقد نفسه رقما. ولهذا فالدول الكبرى التي تتدخل في سياسات العالم لا تعدك رقما الا إذا كنت المسيطر على العاصمة أو المسيطر على الثروة أينما كانت 

 أما القوة الرابعة: قوة الزنتان المسيطرون على الأسلحة الثقيلة، التي كانت مخزَّنة في جبال غرب طرابلس وجنوبها، وهم رجالات قَبِلوا التحدي، ودفعوا الثمن وربحوا الرهان؛ ولأنهم كذلك فهم أمر واقع وقوة،    ولن يتغيروا إلا عن إدارة

وعَليه

 إن المسيطرين على الأرض بالقوة هم مفاتيح الحل للصراع الليبي، وليعلموا أن الفساد الحالي في ليبيا الذي يتم بأيدي رؤوس المشهد السياسي يحسبه البعض على من بيدهم القوة الفاعلة؛ (الجيش الوطني، مصراته، القوى الثائرة في العاصمة، الزنتان) في الوقت الذي هم ليس كذلك؛ ولذا فالتقوا حتى لا يظنكم احد شهود زور، وتوافقوا وتنازلوا من أجل ليبيا، وسيادة شعبها، ووحدة انشودتها الوطنية

 التقوا بدون وسطاء، وخيركم من يبادر بالسلام

 وفي حالة عدم اتفاق القوى الأربعة السابق ذكرها لاشك أن مواجهات حاسمة ستجري بين أضلاع المربع توقد حربا أهلية  نارها تأكل الأخضر واليابس

 وحتى لا يحدث المؤلم والمؤسف ينبغي أن ينهى الصراع بقوة الإرادة لا بقوة السلاح

ولقائلٍ أن يقول

 أين المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، ومجلس الدولة، هذه الأجسام تعرف أنه لا اتفاق وطني عليها، فتعمل على عرقلة كل ما من شأنه أن يؤدي إلى اتفاق به يصبحون في خبر كان. ومن ثم فهم مثل الجملة الاعتراضية عندما تحذف لا تؤثر في المفهوم والمعنى

 أما أولئك الواهمون بأنه لا حل بدون زعيم أو بطل، أو شيخ أو مرشد متأدلج فالعصر قد تجاوزهم وبقوا هناك بعيدا متخلفين عن مواكبة عصر ممارسة الحريات عن إرادة، ومن ثم فقد انكسرت عصا ماركس وماو، ومشيل عفلق، وعبد الناصر، وحسن البنا الذي عفنت أفكاره البيئة العربية، وهكذا تكسرت كل العصي في أيدي من تتلمذ عليهم

  ولكن إن لم تتفق هذه القوى الأربعة؛ فلا شك أن تلك الأجسام منتهية الصلاحية ستنشط من جديد وبالتالي لا ضامن لمواجهة هذا المتوقع إلا اقتتالًا بين هذه القوى الأربعة يُحْسَمُ الصراع فيه لصالح الأقوى، أي: إذا لم تلتقِ هذه الأضلاع الأربعة، فإنه لا حلَّ للصراع الليبي إلا الصراع نفسه، ولا مفرَّ من حدوثه، ودفع الثمن غاليًا، وعليه: عليكم بحلِّ الصراع إرادةً بدلًا من حلِّه قوةً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر