لا للمُؤتمر الجَامع بلا جَامِع

لا شكَّ أن (لا) النافية هنا جاءت بمعنى الاعتراض؛ حرصًا على ما يجب، وليس اعتراضًا عليه، أو خروجًا، بل جاءت للتَّمييز بين مَا يجمع الفرقاء، وما يجمعون عليه؛ فما يجمع الفرقاء الليبيون هو الحلُّ، وليس الإصلاح، أي: حَلُّ الـمُشْكِل الذي أنتج فرقة وخلافًا، وليس إصلاحًا اقتصاديًّا أو أمنيًّا أو سياسيًّا كما يتوقعه البعض؛ فالليبيون أُسْقِطُوا أرضًا، ووضعت أقدام الاقتصاديين والسياسيين على ظهورهم جنبًا إلى جنب مع أقدام المليشيات؛ ولهذا نتساءل: أين الحَلُّ أو حتى الإصلاح؟!

ومن هنا: هل قَدَّم الليبيون حلولًا للمبعوث الأمميّ حتى يدعو إلى مؤتمرٍ جامعٍ يتمُّ من خلاله اتفاق على أنسب الحلول وأفضلها، أم أن السيد المبعوث الأممي الدكتور/ غسان سلامة مع فريقه الأممي وبعض من الليبيين مَن سيقدمون الحَلَّ نيابةً عن الفرقاء؟ وإذا كان أمر المؤتمر الجَامع على هذا الحال فإنه بالتأكيد سيكون مؤتمرًا جامعًا بلا جامِع.

ومِن ثَمَّ: إذا لم يكن ما يجمع الفرقاء الليبيين نابعًا منهم –مِن ظروفهم ومعاناتهم-عن رغبةٍ وإرادةٍ فلا يمكن أن يكون المؤتمر الجامع جامعًا.

وعليه: ينبغي أن يعرف الفرقاء الليبيون أن المبعوث الأمميّ قد حاور وفاوض كل الأطراف الليبية المتخالفة، وقد استمد منها حلولًا ومعالجات ما يدعوه لجمع الفرقاء؛ من أجل اتفاقِ واختيار حَلٍّ توافقيّ يقبله الجميع، ولكن إن لم يتوصل إلى ذلك فإنه بلا شك سيكون المؤتمر الجامع بلا جامِع.

وعلى فرض نجاح انعقاد المؤتمر الجامع: فهل توجد في ليبيا أدواتٌ وأجهزةٌ قادرةٌ على التنفيذ؟

في ليبيا –وللأسف الشديد-أعضاء مجلس رئاسة مختلفون، وأعضاء مجلس نواب مختلفون، وأعضاء مجلس دولة مختلفون، وبنك مركزي مختلف، وفي المقابل هناك جيش وطنيّ يتقدم كل يوم ليسترد (فزان) إلى حاضنة التراب الليبي بعد أن تمت استباحته وغزوه من الأجانب؛ جيش يمتلك الإرادة، وأصبح يمتلك القوة، هل يُعْتَقَدُ أن يكون راضيًا عن هذه الانقسامات أو أن يَقبل بها إذا سنحت له الفرصة؟

وبالتالي: إن لم تتوحد مؤسَّسات الدولة فسيكون غير المتوقَّع شاهدا على احوال الليبيين في زمن المفاجئة.

فالسيد غسان سلامة لا شك أنه مبعوثا أمميا رفيع  المعرفة وواسع الخبرة ولكن كما يقولون: الطبيب الماهر جراحة قد لا يوفق نجاحا عندما يجري عملية جراحية لأحد أقاربه؛ فهكذا يبدو حال الدكتور سلامة بالنسبة إلى الحالة الليبية كونه في بعض الأحيان يتصرف بالمنطق العربي القائل: (أَظْهِر اللِّين والنعومة، والعصا لا تُفَارِق خطابك) مع أنه يعرف أنه لا يمتلك العصا أبدًا، أي: لا يمتلك القوة القانونية الدَّاعمة للعصا، وليست له القوة العسكرية التي تُلزم أو تُكره على اتباع أرائه أو أوامره؛ ولأنه ليس له هذه الشرعية فبإمكان السَّيد رئيس المجلس الرئاسيّ/ فائز السراج أن يطلب منه مغادرة ليبيا خلال ثمانية وأربعين ساعة؛ كما غادر قبل أسبوع  المبعوث الأممي للصومال بطلب من الرئاسة الصومالية.

ولان خبرة السيد غسان سلامة متميزة فبإمكانه أن يتجاوز فكرة المؤتمر الجامع بلا جامع إلى طاولة مستديرة تحت رعاية دوليَّة تجمع الفرقاء إذا ارتضوا إرادة، وبالتالي: فإن تجاوز فكرة المؤتمر الجامع لا بدَّ منها، إلا في حالة ما إذا استطاع السيد سلامة تحديد هوية المؤتمر الجامع ودوره ووسائله التنفيذية ذات المقدرة والفاعلية.

ومن ثم: أين المبعوث الأممي من الواقع الليبي الذي لن يتغيرَ ما لم يغيرْ الليبيون ما بأنفسهم؟

فالواقع يقول: لا توجد هوية للمؤتمر الجامع، ولا وضوح لدوره، بل الغموض يكتنفه من كلِّ جانبٍ، وبخاصَّة أن الأطراف الليبية ما زالت مختلفة على كل شيء، وفي المقابل فإن التَّقرير المقدَّم من قِبَل منظمة الحوار الإنساني لا يعبر عن آراء الكتل الحاسمة في المشهد الليبيّ.

ولهذا: لا ينبغي غضّ الطرف عن الأمر الواقع سواء لتغييره أو التغيير من أجله، أي: إذا كان الواقع متقدمًا على ما نحن عليه فيجب تغيير ما نحن عليه؛ لنواكب الواقع تقدُّمًا، أما إذا أصبح الواقع متخلفًا عما نحن عليه فينبغي تغيير الواقع؛ ليواكب ما نحن عليه تقدُّمًا.

ولأن الحالةَ الليبيةَ أمرٌ واقعٌ، ولا اتفاق على تغييره أو التغيير من أجله؛ فسيظل الخلاف إلى أن يتم الاتفاق على قبول الآخر من دون إقصاء، أو أن يكسر العظم من جديد، أو يُـحْدِثَ الله أمرًا. 

                  1

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر