قبائل ليبيا وقبائل ناورو .. الصنادق السيادية والفشل وأشياء أخرى

جمهورية ناورو أو ما كانت تعرف قديما بـ (جزيرة السعادة)، والتي تقع في منتصف الطريق بين أستراليا وهاواي، الجزيرة التي كانت يوماً تمتاز بجمال طبيعتها الأخّاذ، ذات المناخ المعتدل طوال العام، والتي سكنتها قبائل الناورو الاثني عشر البالغ عددهم 10 الاف فرد فقط، والذين عرفوا بقناعتهم وطيبة قلوبهم، رغم الفقر الشديد، واعتمادهم علي صيد الأسماك واعمال الزراعة وتوافر الأشجار المثمرة والغلال, حتى جاء اليوم الذي زارهم فيه رجل غريب, انه الخبير (ألبرت مولر) ليزف لهم خبراً سيغير حياتهم للأبد

أكتشف (الخبير/ ألبرت مولر) أن الجزيرة تحوي كنزاً اسطورياً من الفوسفات العالي الجودة، وكحال أي دولة ضعيفة استولت المانيا على المناجم لفترة من الزمن بعد ذلك استعمرتها بريطانيا وظلت تنهب ثرواتها حتى انتفضت قبائل ناورو وقررت طرد المستعمر وتمكنوا من ذلك بالفعل سنه 1968م بقياده الزعيم (بروجر) وهنا بدأت اللعنة! 
أصبحت جزيره ناورو ثريه جداً وتقاسم المواطنون الارباح حتي تجاوزت حصة الفرد 20 الف دولار سنوياً من نتاج بيع الفوسفات وجميع الخدمات مجانيه ولم يعد السكان في حاجه الي العمل وتم استجلاب العمال للمناجم من الخارج وألغت الحكومة جميع الضرائب، وخدمات الصحة والتعليم مجانا، كما وفرت الدولة عاملات آسيويات للعمل في كل منزل ومنحت لكل مواطن جميع الأجهزة الكهربائية وسيارات أيضا بأسعار رمزيه, وأدمن سكان الجزيرة المال السهل وانتهجوا نمطا استهلاكيا غير واعي لدرجه إن تعطل سيارة كان يجعل صاحبها يلقيها في البحر ويتوجه إلي أستراليا ليشتري سيارة اخري 

أنفقت الدولة مبالغ طائلة على مشروعات واستثمارات فاشله، تم انشاء مطار دولي وشركة طيران تمتلك اسطولاً من طائرات الركاب، اشترت الحكومة منتجعات في هاواي والجزر المجاورة وأنشأت محفظة سيادية للاستثمار وتم رصد مبلغ 100 ألف دولار! لكل مواطن كراس مال لهذه المحفظة وكضمان مستقبلي بإجمالي مليار دولار امريكي

تناسي السكان إن الفوسفات لابد أن ينضب يوماً. وهذا ما حدث بالضبط، وبدأ اقتصاد قبائل الناورو يعاني مما اضطر الحكومة الي الاستدانة من الخارج وتدهورت الاحوال الصحية والمعيشية للسكان، انتشرت البدانة ولتصل نسبة مرضي السكر الي 40% من السكان ولتفوق معدلات البطالة نسبه 95% واصبحت المتاجر فارغه من السلع وعجزت الحكومة عن توفير السيولة النقدية لاستيراد السلع الأساسية فتحولت السيارات الفارهة واليخوت الي سلع لا قيمة لها بسبب انعدام وجود الوقود وقطع الغيار

وافلست البلاد بعد انتهاء الفوسفات لتصبح الجزيرة الخلابة ارضا قاحلة غير صالحة للزراعة واضرار بيئية خطيرة، نتيجة استنزاف مصادر الماء الجوفية، رغم سقوط الامطار الغزيرة التي تؤدي بشكل حدوث فيضانات موسمية. ومن المتوقع أن تختفي أرض ناورو غرقا تحت مياه المحيط الهادئ نتيجة للتغييرات المناخية

عاد الفقر ليضرب اطنابه مجددا علي ارض القبائل الاثني عشر، بعد عقود من حياة اسطورية لم تدوم فوق ارض الناورو، وعاد المواطنون الي الشاطئ للصيد حتى يتمكنوا من الحياة وكسب قوتهم، واختفت تماما مظاهر الترف والبذخ وتدهورت كافة الخدمات وأصبح سكان الجزيرة يعيشون متسولين على المعونات الخارجية التي تتلقاها الجزيرة من بعض الدول المجاورة

تبخرت كذلك اموال المحفظة السيادية للاستثمار بسبب انعدام الكفاءة ونطام المحاصصة القبلي وتجذر الفساد، وكانت المناصب توزع عبر المحاصصة لا الكفاءة، ولم يكن هناك اي تخطيط حقيقي ولا وجود لأي مؤسسات او كفاءات تستطيع بناء دولة محترمة او إدارة هذه العوائد التي استمرت عقودا من الازدهار والوفرة والثراء

الدرس المستفاد من تجربة جمهورية قبائل الناورو، نتناسى ايضاً ان نفط وغاز قبائل ليبيا سينتهي يوماً ولن يبقي للأبد، كما انتهي فوسفات قبائل الناورو، وان أموال صندوق ليبيا السيادي واستثماراتها ستتبخر، كما تبخرت أموال الصندوق السيادي في جمهورية الناورو، ولنفس الاسباب بالضبط.

ونتناسى ان المحفظة السيادية لجمهورية ناورو تحوي ما قيمته 100 ألف دولار لكل مواطن، بينما كانت محفظة ليبيا في اوج مجدها لا تزيد عما قيمته 20 ألف دولار لكل مواطن!

ومع هذا تبخرت ثروة قبائل ناورو التي تبلغ 10 اضعاف ثروة قبائل ليبيا ! لذات الأسباب والمسببات

مشكلة ليبيا ليست في افراد أو شخوص. لم تكن المشكلة في شخص الملك ادريس السنوسي، ولم تكن المشكلة في شخص معمر القذافي او سيف الإسلام، وليست المشكلة في شخص خليفة حفتر، المشكلة في المنظومة التي نحكم ليبيا منذ أكثر من 300 سنة والتي تعيد انتاج الجهل والفساد

بقلم / أبوبكر عياد القرقوطي

الجمعة / 15 مارس 2019 م

للمزيد من المعلومات والاطلاع 

– لماذا ؟ استحالة قيام الدولة ! بين مجتمع الوهم السياسي ومجتمع اقتصاد الفساد 

https://bit.ly/2R6HF77

– الشباب بين المحاصصة واحتكار الوظائف والبزنس وكل مناحي الحياة
!
https://bit.ly/2LpvRra

– باختصار / كيف يتم التعامل مع الازمة الاقتصادية في ليبيا منذ الثمانينات 

https://bit.ly/2Sdei0i

– في ليبيا … لا أحد يعرف أين هي الطريق ! وزير التخطيط أيضاً لا يعرف
!
https://bit.ly/2R8IuMH

– انقلاب ليبيا الغد وسرقة فبراير ! حان الوقت ليعتذر سيف الإسلام لكل الليبيين
!
https://bit.ly/2EGYRud

– حكومات المحاصصة في دولة ليبيا الفاشلة منذ الاستقلال ! إلي متي
!
https://bit.ly/2Lrrgox

– كيف تصبح مسؤولاً كبيراً في ليبيا ؟

https://bit.ly/2Lr1VLh

– لماذا ؟ استحالة قيام الدولة ! بين مجتمع الوهم السياسي ومجتمع اقتصاد الفساد 

https://bit.ly/2R6HF77

– الشباب بين المحاصصة واحتكار الوظائف والبزنس وكل مناحي الحياة
!
https://bit.ly/2LpvRra

– تساؤلات عن الحكم الشرعي في انقلاب جماعة ليبيا الغد وسرقة انتفاضة فبراير

https://bit.ly/2LCTyfO

كل مصائب ليبيا هـي نتـاج لـقـانون الانتخابات الجهوي الفاسد !

https://bit.ly/2T6e3U7

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر