مؤتمر برلين ..هل تكون المحطة الاخيرة فى الصراع الليبى؟

 لم يتوقف الجدل منذ اعلان وقف اطلاق النار بين طرفى النزاع فى ليبيا والذى دخل حيز التنفيذ فى الساعات الأولى من صباح الاحد الماضى الموافق 12 يناير من العام الجارى فى استجابة سريعة لما وصفت بأنها دعوة مشتركة صدرت عن الرئيسين الروسى “فلاديمير بوتين” والتركى “رجب طيب أردوغان” من العاصمة التركية أنقرة , وكعادتهما انبرى طرفا النزاع الليبى فى محاولة لتجيير الحدث كلا لصالحه وتصويره على انه انتصار ساحق وهزيمة للخصم متجاهلين او ربما متغافلين عن حقيقة مؤداها ان ما حدث لم يكن الا تنفيذا الزاميا للارادة الدولية التى يبدو انها قررت اخيرا ان اللحظة المناسبة لايقاف هذه الحرب قد حانت قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة ويجد المجتمع الدولى نفسه امام نسخة ربما اشد وطأة من السيناريو السورى فى هذا الموقع الجغرافى الحساس الامر الذى كان قاب قوسين او ادنى من ان يستحيل الى واقع ملموس فى ظل التطورات الخطيرة التى شهدها النزاع من استجلاب للمقاتلين الاجانب واستدعاء صريح للتدخل الأجنبى واتكاء قد يكون كليا على الحلفاء الاقليميين لكلا الطرفين ووصول الصراع الى ذروته على المستويات كافة على نحو ينذر ببلوغ مرحلة شديدة الخطورة ربما كادت ان  تفضى الى انهيار كامل يصعب لملمته حينئذ بل يستحيل .

وبناء على ما سبق ففى تقديرى ان المكسب الرئيس من هذه الهدنة هو اسكات صوت المدافع وافساح المجال للدبلوماسية والعودة الى طاولة المفاوضات السياسية وتهيئة الرأى العام المنقسم وتطويعه لقبول فكرة الحوار من جديد حتى اننا قد انتقلنا من طرح سؤال كيف نتحاور من جديد بعد كل ما جرى خلال التسعة أشهر المنصرمة بصيغة استنكارية الى طرحه بصيغة استفسارية وهذا لعمرى انجاز كبير بالنظر الى الظرف الراهن وما آلت اليه الاوضاع وما نجم عن الحرب الضروس من آلاف الضحايا من الطرفين من بينهم مدنيين فضلا عن اعداد كبيرة من النازحين وتدمير البيوت والمنشآت ناهيك عن ما اصاب النسيج الاجتماعى من تمزق ، كل هذا يدفعنا للقول بان مهما طالت هذه المفاوضات ومهما اعترضها من عراقيل واعتراها من شوائب وتخللها من تنازلات تظل الخيار الأمثل والأقل كلفة بكثير من استمرار القتال وتوسعه وانزلاق البلاد الى منحدر مجهول وسقوطها فى هوة سحيقة لا قرار لها .

وبالعودة الى وقف اطلاق النار ثمة أربع نقاط رئيسية ينبغى التركيز عليها فى تصورى لانجاح هذا المسار والبناء عليه :

النقطة الأولى: هو ان يكون مؤتمر برلين مكملا لاتفاق موسكو المنقوص بسبب عدول المشير حفتر عن التوقيع وليس بديلا عنه

النقطة الثانية :ان لا يتحول المؤتمر الى ساحة للمماحكات السياسية وتصفية الحسابات بين القوى الاقليمية والدولية المعنية بالملف و التى تتضارب مصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية فى ليبيا  وان تحاول ايجاد قاعدة مشتركة فيما بينها وصيغة تفاهمية تفضى الى دفع عملية برلين الى الامام واستخدام تأثيرها ونفوذها لدى الاطراف الليبية بشكل ايجابى فى تسهيل الوصول الى التسوية السياسية الشاملة المنشودة وهذا يحتاج الى ضامن دولى قوى يستطيع ان يضع حد لهذه التجاذبات ويشرف مباشرة على الملف وينخرط فيه وليس بطريقة القيادة من الخلف وهنا اشير بوضوح الى الولايات المتحدة الأمريكية التى غابت كثيرا عن المشهد الليبى وقد كان لغيابها وضبابية سياستها ازاء الأزمة بالغ الاثر السلبى .

النقطة الثالثة :هو ان تضطلع البعثة الأممية بمهامها وتحث طرفى النزاع على استثمار الهدنة وجنى ثمارها الأولية بالعمل سويا بالتنسيق معها عبر تشكيل لجان مشتركة لاتخاذ جملة من التدابير والخطوات الهامة كدخول المساعدات الانسانية وتبادل الاسرى والجثامين ورجوع النازحين وتمكينهم من تفقد بيوتهم والعمل بجدية على عودة الحياة الطبيعية الى المناطق التى شهدت النزاع المسلح طوال الفترة الماضية

النقطة الرابعة : والاهم هو حال ما تم التوصل الى اتفاق شامل وتم التوافق حوله ومن ثم التوقيع عليه لابد وان يرفع الى مجلس الامن للتصويت عليه واصدار قرار بالخصوص علي غرار القرار 2259 الذى صدر فى اعقاب توقيع اتفاق الصخيرات حتى يكتسى الاتفاق شرعية دولية ويصبح ملزما  ولا يتم الالتفاف عليه وتجاوزه مثلما حدث من قبل فى اتفاقات أبوظبى وباريس وباليرمو

انظار الليبيين الذين سئموا هذا الصراع الدامى تتجه صوب العاصمة الالمانية برلين بترقب ممزوج بالأمل لعلها تكون بداية النهاية والمحطة الأخيرة لأزمة قد استفحلت واستطالت انيابها فى جسد بلادهم

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر