هكذا هم صناع الكراهية فى ليبيا

عندما اتابع ما تبثه بعض وسائل الاعلام الليبية الموالية لطرفى النزاع اجد نفسى وعلى الرغم منى استحضر الرواية الشهيرة 1984 للكاتب الانجليزى جورج أورويل والتى سلطت الضوء فى جانب من جوانبها المتعددة على فكرة التضليل وتزييف الوعى الذى قد يمارس على الجماهير باسم نصرة الوطن والقضية كالشعارات التى كان يطلقها حزب الاخ الكبير فى الرواية ويقنع بها انصاره على الرغم من تناقضها الصارخ مثل “الحرب هى السلام ” و “الحرية هى العبودية” و “الجهل هو القوة” بالاضافة الى مشهد دقيقتى الكراهية وهى طقس يومى يقام بايعاز من الحزب حيث يتجمهر انصاره ويشرعون فى الصراخ الغاضب بشكل هستيري واطلاق سيل من السباب والشتائم النابية فى حق غولدشتاين العدو الخائن ومؤيديه من الخونة الذين تمردوا على الحزب , و ما من احد يقوى على الاعتراض او التفوه ببنت شفاه ضد هذا الجنون والا كانت شاشة الرصد التى تراقب كل حركاته وسكناته له بالمرصاد و تهمة الخيانة ستكون جاهزة وسوف يتعرض للاعتقال والاخفاء الابدى.

هذا الطرح الذى  صاغه خيال “أورويل ” قبل اكثر من سبعة عقود لا يختلف كثيرا عن واقع ما يجرى فى ليبيا اليوم على الساحة الاعلامية فلا صوت يعلوا على صوت خطاب الكراهية والأمر هنا لا يقتصر على دقيقتين فقط بل يمتد الى ساعات من البث المباشر تحمل معها جرعات مكثفة من التحريض والاسفاف والتدنى فى الحوار و المصطلحات والاخلاق وفى كل شئ ، وفوق كل هذا تجدهم  يستنكرون الاعتراض على هذا العبث ويمارسون الارهاب الفكرى والتسفيه ضد من سولت لهم انفسهم ان يقولوا لهم كفى ويكيلون لهم تهم الخيانة وخذلان الحق و والاصطفاف المستتر مع العدو بالتغاضى عن انتهاكاتن ولعمرى هذا درس فى فن التدليس وقلب الحقائق لو بعث “جوزيف جوبلز” وزير الدعاية في عهد هتلر حيا من مرقده لهلل له فرحا واغتباطا ، فمن يرفضون خطاب الكراهية كانوا يرفضون الحرب منذ اليوم الاول لاندلاعها وينادون بإيقافها فورا وانهائها الى الابد والذين يرفضون خطاب الكراهية لم يألوا جهدا فى التنديد بالانتهاكات واستنكار الجرائم من اى طرف كان الا أن ذلك لم يكن مصحوبا باللعنات والبذاءات والشتائم  بل بالدعوة الى إعمال العقل والحكمة والعودة الى جادة الصواب بايقاف الحرب و هذا النزيف المستمر وارساء السلام وليس عبر العمل على تأجيجها والنفخ فى النار والتحريض على سفك المزيد من الدماء والتباهى باعداد الجثث والرقص على الجماجم من العواصم الآمنة ومن البيوت الدافئة .

ولعل من يتبنى هذا النهج لا يدرى او ربما يتغافل عن  حقيقة مؤداها ان صناعة الكراهية والقاء بذورها فى نسيج المجتمعات وما يترتب على ذلك  من فتنة وايغال للصدور وما تتسبب فيه من شقاق وانقسامات تعد  جريمة كبرى  تمتد  آثارها السلبية لفترات  طويلة وقد تتوارثها الاجيال جيلا بعد جيل ولم يحتفظ التاريخ فى ذاكرته بمجتمع مشبع بالكراهية استطاع ان ينهض ويحقق اى انجاز يذكر.

بالاضافة الى ما تقدم نختم بالقول ان استعراض الجرائم والانتهاكات ورفضها واستنكارها والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها لا يستوجب ان يقترن بهذا السيل العارم من السباب والالفاظ النابية والعبارات العنصرية والتعميم والاحكام الاطلاقية بل يمكن القيام بذلك دون اللجوء إلى هكذا أساليب فقط لو خلصت النوايا ، لكنهم يقتاتون  على الحروب ولا يريدون لها ان تنتهى فتنتهى معها منافعهم ولا لهذه الصفحة من تاريخ ليبيا ان تطوى فيطوون معها ويتبوئون مواقعهم التى يستحقونها عن جدارة  فهذا هو مناخهم الذى يترعرعون فيه وهذه هى بيئتهم التى ينسجمون معها وتليق بهم و هكذا هم صناع الكراهية فى ليبيا

 

 

 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر